اكتشف فريق من الباحثين الهولنديين أن القشرة الدماغية ليست مسؤولةً بمفردها عن قدراتنا الإدراكية، وأن أدمغتنا الصغيرة المعروفة بـ"المخيخ" تؤدي دورًا مهمًّا في العمليات الإدراكية.

يقع المخيخ في الجزء الخلفي السفلي من الدماغ، ويؤدي دورًا مهمًّا في التحكم الحركي. ومنذ تسعينيات القرن الماضي، يتوقع العلماء أن دور المخيخ يتجاوز فكرة التحكم بالحركة ليصل إلى بعض الوظائف المعرفية الأخرى، كتنظيم الاستجابة في حالات الخوف على سبيل المثال.

إلا أن ذلك التوقع لم يتجاوز التكهنات، لكن دراسة حديثة أشارت إلى احتمالية أن يكون المخيخ ركيزةً أساسيةً من الركائز التي يعتمد عليها الدماغ في الإدراك الاجتماعي.

ويمكن أن تساعد الدراسة في فهم عواقب الأضرار التي تلحق بالمخيخ، والتي لن ينجم عنها ضعفٌ في الحركة فقط، بل ستؤدي إلى تغيرات في سلوك الأفراد على المستوى الاجتماعي.

تخيل رؤية شخص عجوز يلتقط صندوقًا. وشابًّا يلتقط صندوقًا مشابهًا. بمجرد النظر إلى الحركتين، يمكنك معرفة الفارق بينهما. فالقوة والمرونة والثقة التي يتمتع بها الشاب تبدو جليةً للعيان والدماغ مقارنةً بالشخص العجوز.

كان يُعتقد أن منطقة الدماغ المسؤولة عن هذه القدرات الإدراكية العليا –القدرة على استكشاف الفوارق بين الأفعال وتصنيفها والتفرقة بينها- هي القشرة الدماغية، وهي الطبقة الخارجية للدماغ. وتتكون تلك الطبقة من ملايين العصبونات المتشابكة التي تُكسب الدماغ قدرته على الإدراك.

أما المخيخ، فيشارك بصورة أساسية في ضبط الحركة وتنسيقها، والمساعدة على التوازن، وتخفيف ضغط وزن الجسم على الأطراف، دون الاشتراك في وظائف الإدراك. لكن الدراسة التي نشرتها دورية "برين" (Brain) تشير إلى عدم صحة ذلك الاعتقاد.

تقول فاليريا جازولا -أستاذة العلوم العصبية في كلٍّ من المعهد الهولندي للعلوم العصبية وجامعة أمستردام، والمؤلفة الرئيسية في الدراسة- في تصريحات لـ"للعلم": إن الورقة البحثية، التي استغرق العمل عليها نحو ٤ سنوات، تقدم الدليل على أن المخيخ أكثر ذكاءً مما كنا نظن سابقًا.

وضع الفريق البحثي -وقتها- فرضيةً مفادها أن المخيخ يُشارك في عملية الإدراك العقلي. وتُعرّف تلك العملية بكونها قدرة الشخص على التفاعل مع محيطه الخارجي عبر استقبال المثيرات الخارجية وترجمتها وتأويلها بصفة ذاتية.

استدعى الفريق البحثي مجموعةً من المتطوعين، وطلبوا منهم مشاهدة تصرفات البشر المحيطين بهم. ثم عملوا على مراقبة نشاط أدمغتهم عن طريق تصوير الأعصاب باستخدام الرنين المغناطيسي، ووجدوا أن عملية مراقبة تصرفات البشر والتفاعل معها أدت إلى ظهور نشاط في المناطق المعروفة من القشرة الدماغية، إلا أن المثير للدهشة أن النتائج أظهرت وجود نشاط ممنهج في منطقة المخيخ.

تضيف "جازولا": يعني هذا أن دور العقل الصغير يتجاوز عمليات تنسيق الحركة، وأن وجود قدرات إدراكية للمخيخ أصبحت الآن مثبتةً بصورة علمية.

وتعني تلك النتائج أن المخيخ جزء مهم من النظام الإدراكي، وهو أمر يُفسر أسباب ضعف الإدراك عند هؤلاء الذين تعرَّضوا لمشكلات أو إصابات في المنطقة الخلفية للدماغ. وبالتالي يُمكن أن يؤدي ذلك الأمر إلى فهم أفضل للاضطرابات المرتبطة بالمخيخ، والتي من شأنها التأثير على سلوكيات الإدراك الاجتماعي، وفق "جازولا".