الجمعة، 27 يوليو 2018

«البكتيريا الانتهازية».. خطر كامن في أمعاء الدواجن

دراسة علمية حديثة تشدد على ضرورة التخلص الآمن من أمعاء الدواجن بعد إتمام عمليات الذبح؛ للوقاية من الإصابة بنوع خطير من البكتيريا يسبب الإسهال والتهابات القولون

«البكتيريا الانتهازية».. خطر كامن في أمعاء الدواجن

أوصت دراسة علمية حديثة أُجريت بالتعاون بين باحثين مصريين وألمان، من جامعات مصرية وألمانية، بضرورة التخلص الآمن من أمعاء الدواجن بعد إتمام عمليات الذبح، خوفًا من تسببها في انتقال بكتيريا كلوستريديوم ديفيسيل Clostridium difficile، التي تُعرف باسم "المطثية العسيرة" إلى جسم الإنسان.

تمكَّن باحثو الدراسة التي نشرتها دورية أناروب Anaerobe في يونيو الماضي، من عزل هذه البكتيريا من أمعاء 5 عينات من دواجن التسمين والأمهات والبياض من أصل 54 عينة (9.3%) تم جمعها من مزارع الدواجن بمحافظتي الشرقية والدقهلية المصريتين، فيما تم العثور على البكتيريا نفسها في 7 عينات للأمعاء من أصل 50 عينة (14%) تم جمعها من ثمانية من مجازر الدواجن الصغيرة.

 إلا أنه على الرغم من ذلك لم يتم تسجيل أي حالات لوجودها في 150 عينةً للحوم الدجاج والكبد والقانصة التي جرى جمعها من المجازر وأماكن البيع لفحصها.
يقول "كامل أبو العزم" -الأستاذ بقسم أمراض الدواجن بكلية الطب البيطري، جامعة المنصورة، وأحد الباحثين المشاركين في الدراسة- في تصريحات خاصة لـ"للعلم": "تعطينا النتائج مؤشرًا على أن أمعاء الدواجن التي لا يتم التخلص منها بعد الذبح بشكل آمن يمكن أن تكون مصدرًا لتلوث البيئة بهذه البكتيريا، ومن ثم انتقالها إلى الإنسان".

والمطثية العسيرة، هى نوع من البكتيريا اللاهوائية، توصف بأنها بكتيريا انتهازية، إذ تُوجَد في الأمعاء وتنتظر الفرصة الملائمة لإحداث الضرر بها، وتأتي الفرصة مع تناول الإنسان المضادات الحيوية التي تقتل البكتيريا الجيدة في الأمعاء فيقل عددها، ما يوفر بيئة مناسبة للبكتيريا الضارة التي تفرز مادة سامة تسبب الإصابة بالإسهال.

ويمكن للإصابة بالإسهال أن تتطور إلى حالات مرضية أكثر خطورةً مثل التهاب القولون. ويُعد كبار السن والأطفال هم أكثر المضارين بها؛ نظرًا لتناولهم المضادات الحيوية بمعدلات أعلى من باقي الفئات الأخرى.

وتُعتبر بكتيريا Clostridium difficile سببًا رئيسًا للعدوى المكتسبة في المستشفيات ودور الرعاية السكنية. فالمُمْرِض الذي يمكن أن يسبب الإسهال، والألم، والالتهابات المعوية يقتل عشرات الآلاف من الناس في جميع أنحاء العالم كل عام.

عدد قليل من الدراسات
ولا توجد دراسات كثيرة أُجريت في بلدان الشرق الأوسط حول هذه البكتيريا، ولكن هناك عدة دراسات أجريت في بلدان أفريقية وأوربية استعرضت الدراسة المصرية الألمانية بعض نتائجها، ومنها أنه تم عزل البكتيريا من فضلات الدواجن بنسب عالية في بحثين أُجريا بدولة زمبابوي. أشار أحدهما إلى وجودها بنسبة 17.4% في العينات التي تم بحثها، والآخر سجل نسبة 29%. كما سجلت دراسة في سلوفينيا أعلى معدل انتشار، وصل إلى 62.3% بمزرعة واحدة، ووصل معدل الانتشار في دراسة بالهند إلى 14٪، والنمسا 5٪، وهولندا 5.8٪.

 وعلى الرغم من أن هذه الدراسات حول النوع نفسه من البكتيريا، والتي جرت الإشارة إليها في البحث المنشور، تعطي مؤشرات على أن نسبة انتشارها في العينات المصرية لم يكن –نسبيًّا- كبيرًا على نحوٍ مقلق، إلا أن شيوع وانتشار وسائل التخلص غير الآمن من مخلفات الذبح في مصر، يجعل هناك ضرورة للتنبيه إلى خطورة هذه البكتيريا، كما يؤكد أبو العزم.

اكتشف العلماء هذا النوع من البكتيريا عام 1935، إلا أنهم لم يعرفوا السبب الرئيسي لحدوث الإسهال المرتبط بتناول المضادات الحيوية إلا في عام 1978، وارتفعت معدلات الإصابة بها في السبعينيات من القرن الماضي، مع ازدياد استخدام المضاد الحيوي "كلينداميسين" clindamycin.

وخلال السنوات العشرين التي أعقبت ذلك، أدى استخدام أدوية المضادات الحيوية الواسعة من عائلتي أدوية "البنسلين"، وأدوية "سيفالوسبورين" cephalosporin إلى ازدياد كبير في عدوى وبائية بهذا النوع من البكتيريا. وفي السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين عثر العلماء على وجود صلة بين تناول المضادات الحيوية من عائلة أدوية "فلوروكوينولون" fluoroquinolone والإصابة بنوع جديد أكثر خطرًا من سلالات بكتيريا "كلوستريديوم ديفيسيل".

وتستطيع هذه البكتيريا اللاهوائية التي تنتمي إلى الفصيلة نفسها المسببة لداء "التيتانوس" التجرثم، أي تكوين جرثومة يمكنها العيش في التربة بصورة كامنة لمدد طويلة قد تصل إلى 10 سنوات، لتنتقل إلى الدواجن أو الإنسان إذا لم يجر تطهير مزارع الدواجن وأماكن البيع تطهيرًا جيدًا والتخلص من الأمعاء بعد الذبح عن طريق المحارق والدفن الصحي.
ويضيف أبو العزم: "عدم وجود آليات للتخلص الآمن في مصر يعطي فرصة لانتقال هذه البكتيريا؛ إذ يمكن أن تحدث الإصابة بها في حالة لمس اليد للأسطح الملوثة بها، ومن ثم لمس الفم بهذه اليد".

ولكن الأمر الجدير بالملاحظة في هذه الدراسة هو عدم العثور على هذه البكتيريا في عينات اللحوم، في حين كانت كل العينات التي وُجدت بها من الأمعاء، وهو ما يَعزوه أبو العزم إلى أن البكتيريا تُوجَد أساسًا في الأمعاء، ولا يمكنها أن تسبب مشكلة في جسم الطائر في حياته إلا عندما يضعف، ولا يمكن العثور عليها في اللحوم إلا من خلال تلوث مباشر أو اقتراب المحتوى المعوي المصاب من اللحم في أثناء ذبح الدواجن وتجهيزها للمستهلك.

تنوع سلالات البكتيريا

يثني "محمد عبد المجيد" -أستاذ أمراض الدواجن بجامعة المنوفية- على نتائج الدراسة؛ لكونها تتطرق إلى نوع من البكتيريا لم يجرِ تناوله كثيرًا في الأبحاث السابقة بالرغم من خطورته، لكن تفاصيلها أثارت لديه مجموعةً من التحفظات أعرب عنها في تصريحات خاصة لـ"للعلم".

أول التحفظات كان على حجم العينة التي شملتها الدراسة، فهي في رأيه، غير كافية لمنح شهادة أمان للحوم، وأنه لم يجر عزل البكتيريا إلا من الأمعاء، أما ثاني التحفظات فكانت في عدم تقديم تفسير لنسب الانتشار القليلة في مصر، مقارنة بالدول الأخرى، وهل يعود ذلك مثلًا إلى الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية في المزارع المصرية.
إعلان

هذان التحفظان لدى عبد الفتاح جاء التعليق عليهما من "مصطفى عبد الجليل"، الباحث بمعهد الالتهابات البكتيرية والأمراض حيوانية المنشأ، بمعهد فريدريش-لوفلر بألمانيا، والباحث الرئيسي في الدراسة، مشددًا على أن نتائج البحث تشجع على إجراء المزيد من الدراسات حول هذه البكتيريا في مصر.

ويقول عبد الجليل في تصريحات خاصة لـ "للعلم": "المسح الذي قمنا به يعد محدودًا للغاية، وإذا أردنا استخلاص استنتاج عام بخصوص وجود هذه البكتيريا في لحوم الدواجن، نحتاج إلى عينات أكبر، ومن أكثر من مكان".

بالإضافة لذلك، يؤكد عبد الجليل أن هذه البكتيريا في المقام الأول هي بكتيريا تعيش في الأمعاء، والطريقة الأكثر احتمالًا لوصولها إلى اللحوم من خلال تلوث مباشر أو اختلاط المحتوى المعوي المصاب مع اللحم، وبما أن عملية الذبح وتجهيز لحوم الدواجن تمت بناء على طلب العميل وأمام عينيه، فقد حرص الشخص المسؤول على أن يولي اهتمامًا أكبر لجعل منتجه نظيفًا من خلال الغسيل المستمر للدجاج المذبوح، بما قلل من معدل تلوث عينات اللحوم. يتفق عبد الجليل مع ما أثاره عبد الفتاح من أن الاستخدام غير المقيد لمضادات الميكروبات في الأعلاف الحيوانية في مصر قد يسهم في انخفاض معدلات الإصابة، لكن الأهم من ذلك أنه يؤدي في المقابل إلى تنوُّع سلالات البكتيريا، ويؤدي إلى ظهور بعض الأنواع المقاوِمة للمضادات الحيوية.

ويقول عبد الجليل: "نحن لم نختبر نمط المقاومة في البكتيريا التي تم عزلها، ولكن بشكل عام، فإن الاستخدام غير الخاضع للتحكم لمضادات الميكروبات يجعل البكتيريا تطور من مقاومتها، وعندئذٍ ستستمر البكتيريا المقاومة للمضادات، وهذا السلوك يجب ضبطه والتحكم فيه".

وفيما يتعلق بسبل الوقاية، انتهت دراسة سابقة إلى أن النظم الغذائية الغنية بالألياف قادرة على تخفيف حدة الالتهابات التي يسببها هذا النوع من البكتيريا الفتاكة والشائعة. ووفق "جاستين سوننبرج"، وزملاؤه بكلية الطب في جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا، تخلصت الحيوانات التي تغذت على وجبات غنية بالألياف من البكتيريا الموجودة في قناتها المعدية المعوية، ليصبح مستواها أقل من المستويات التي يمكن كشفها، وذلك في أقل من أسبوعين، في حين ظلت البكتيريا موجودة في الفئران التي تغذت على نظام غذائي منخفض الألياف. وعزا الباحثون الفرق إلى التأثيرات الإيجابية للنظام الغذائي الغني بالألياف على البكتيريا "النافعة" في الأمعاء.
إعلان

وعلى الرغم من أن النتائج أولية، يشير البحث إلى أن تحسين النظام الغذائي قد يساعد على التخفيف من حدة المرض الذي تسببه بكتيريا C. difficile، وربما غيرها من المُمْرِضات المعدية المعوية.

كما تذهب نتائج بعض الأبحاث إلى أن المكملات الغذائية المركزة من البكتيريا الجيدة، والخمائر (البروبيوتيك)، تساعد على منع عدوى الكلوستريديوم ديفيسيل.

حازم بدر

صحفي متخصص في الشأن العلمي وعضو نقابة الصحفيين المصريين منذ عام